الموقع الجغرافي

مدينة القدس .. الواقع تحت الاحتلال
تقع مدينة القدس في وسط فلسطين، وتبعد نحو 60 كيلومترا شرق البحر المتوسط وحوالي 35 كيلومترا غرب البحر الميت، و250 كيلومترا شمالا عن البحر الأحمر، وتبعد عن عمّان 88 كيلومترا غربا، وعن بيروت 388 كيلومترا جنوبا وعن دمشق 290 كيلومترا جنوب غرب. وهي تصنف أكبر مدينة فلسطينية، وتتبع للضفة الغربية.
في ديسمبر/كانون الأول 1917 سقطت القدس بيد الجيش البريطاني بعد البيان الذي أذاعه الجنرال ألنبي، ومنحت عصبة الأمم بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، وأصبحت القدس عاصمة فلسطين تحت الانتداب البريطاني (1920- 1948)، ومنذ ذلك الحين دخلت المدينة في عهد جديد كان من أبرز سماته زيادة أعداد المهاجرين اليهود إليها، خاصة بعد وعد بلفور عام 1917.
وفي عام 1948 أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب في فلسطين وسحب قواتها، فاستغلت العصابات الصهيونية حالة الفراغ السياسي والعسكري وأعلنت قيام الدولة الإسرائيلية.
وفي 3 ديسمبر/كانون الأول 1948 أعلن ديفد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل أن القدس الغربية عاصمة للدولة الإسرائيلية الوليدة، في حين خضعت القدس الشرقية للسيادة الأردنية حتى هزيمة يونيو/حزيران 1967 حيث أكملت إسرائيل احتلال المدينة وأعلنت ضمها إليها.
واتخذت إسرائيل عدة إجراءات لدمج القدس الغربية بإسرائيل. في أيلول 1948، تأسّست المحكمة العليا في القدس، وفي شباط 1949 اجتمع أعضاء الكنيست في المدينة. تبع ذلك تأسيس عدد من الوزارات ومرافق للخدمات العامة في المدينة. أعلنت إسرائيل في عام 1950 أن القدس هي عاصمتها.
وعندما احتلت إسرائيل القدس الشرقية في حرب حزيران 1967 تبنّت عدداً من الاقتراحات لتوحيد قسمي المدينة، بما في ذلك سن قانون في عام 1967 لتطبيق القانون المدني الإسرائيلي على القدس الشرقية.
وأصدرت إسرائيل في عام 1980 “القانون الأساسي” الذي لم يُعلن رسمياً ضم القدس الشرقية، لكنه ضمّها عملياً بإعلان المدينة الموحّدة عاصمة لإسرائيل ومقر مؤسسات الدولة الرئيسية.
في6 ديسمبر 2017 اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي 14 مايو 2018 تم رسميا الإعلان عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وسط رفض فلسطينية ومعارضة دولية واسعة.
ومنذ عام 1967 وحاولت إسرائيل تعزيز هيمنتها على مدينة القدس من خلال اتباع عدد من السياسات الممنهجة وهي:
بناء المستوطنات:
ضمّت إسرائيل مدينة القدس الشرقية إليها في خطوة أحادية الجانب، واستمرت في بناء المستوطنات غير المشروعة داخل حدود المدينة وعلى تخومها بعد أن قامت بتوسيعها بتصرفات غير قانونية. تشكل هذه المستوطنات حالياًَ حزاماً يحيط بالجزء المحتل من مدينة القدس بأسره، ويفصله عن بقية أراضي الضفة الغربية. يعيش اليوم في القدس الشرقية أكثر من 210,000 مستوطن يهودي من مجموع المستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة والبالغ 560,000 مستوطن.
إلغاء حقوق الإقامة:
أعلنت إسرائيل مرّات عدة وبشكل لا لبس فيه أن الهدف من السياسات التي تنتهجها في القدس الشرقية المحتلة هو الحفاظ على أغلبية ديمغرافية يهودية في المدينة. ورد هذا الإعلان رسمياً في تقرير صدر عن اللجنة الوزارية المشتركة لدراسة معدلات التنمية في القدس عام 1973. إذ رفعت اللجنة في هذا التقرير توصية مفادها أنه “يجب الحفاظ على التوازن الديمغرافي لليهود والعرب كما كان عليه الوضع عند نهاية عام 1972”. منعت إسرائيل في محاولة منها للحفاظ على هذا “التوازن الديمغرافي”، آلاف الفلسطينيين من الإقامة في مدينة القدس بإلغاء حقوقهم في الإقامة فيها.
مصادرة الأراضي وتدمير المنازل:
تعاني المناطق الفلسطينية في القدس المحتلة من نقص حاد ومزمن في المنازل، مما يتسبب في ازدياد الاكتظاظ السكاني، حيث تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلية القيود ولا تسمح بالبناء والتوسع العمراني المطلوب. بسبب الاكتظاظ الناتج عن ارتفاع الطلب وقلة المساكن وارتفاع اسعار الايجارات في ضوء الحظر المفروض على البناء، الامر الذي أدى على مدار سنوات الاحتلال الى انتقال اعداد من الفلسطينيين الى مدن أخرى في الضفة الغربية؛ الا أن اعداد كبيرة اضطرت الى العودة الى ديارها في القدس خوفاً من سحب الهوية/الاقامة، كل ذلك أدى الى زيادة تفاقم ازمة السكن وباتت المشكلة مستفحلة في القدس.
الإغلاق العسكري وبناء جدار الفصل العنصري:
يحول الإغلاق العسكري الذي تفرضه سلطات الاحتلال على القدس المحتلة دون وصول المواطنين الفلسطينيين إليها ودخولها، كما شددت تلك السلطات هذا الإغلاق بعد ان حولت نظام الدخول المؤقت الى نظام منع وحظر دائم-الذي بدأ في آذار 1993.
ومع استمرار بناء جدار الفصل بصورة غير قانونية في القدس المحتلة وفي المناطق المحيطة بها، تلاشت حقوق الفلسطينيين في الوصول إليها والسكن فيها، لا بل باتت مستحيلة. من هذا المنطلق بات الإغلاق المفروض على هذه المدينة وجدار الفصل (على الرغم من كونهما غير قانونيين ولا يحظيان بالاعتراف الدولي) يشكلان “الحدود” الحالية للقدس المحتلة.
يتمثل أحد الآثار المباشرة التي تخلفها سياسة الإغلاق التي تفرضها إسرائيل على القدس المحتلة في منع ثلاثة ملايين مواطن مسيحي ومسلم من أبناء الشعب الفلسطيني من الوصول إلى أماكنهم المقدسة وكنائسهم ومساجدهم الواقعة في هذه المدينة.
فضلاً عن ذلك، تسبب الإغلاق والجدار المذكوران في عزل حوالي 90,000 فلسطيني (مخيم شعفاط، ضاحية السلام، راس خميس، ضاحية السلام، كفر عقب، سميراميس) من سكان القدس عن مدينتهم لأن المناطق السكنية التي يقيمون فيها باتت تقع خارج الجدار. لذلك، يتسبب الجدار ونظام الإغلاق في فرض قيود مجحفة وعسيرة على الأنشطة التجارية في القدس المحتلة – التي تشكل مركز الثقل الاقتصادي في فلسطين – وفي المناطق المحيطة بها وعلى حركة التجار منها وإليها. أخيرًا، عمل جدار الفصل على تفكيك الترابط الاجتماعي وتقويض نسيج الحياة الاجتماعية للفلسطينيين الذي يقطنون على جانبي الجدار.
ثانيًا: الوضع القانوني لمدينة القدس:
مدينة القدس هي مركز الأديان السماوية الثلاثة، إلا أن إسرائيل اتبعت ومنذ العام 1967 سياسات ممنهجة تهدف إلى فرض هيمنتها على المدينة، ضاربة بذلك حقوق السكان الأصليين (من المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين) عرض الحائط. وتفرض إسرائيل سيطرة أحادية الجانب على شرقي القدس.
ودخلت قضية القدس إلى أروقة الأمم المتحدة نتيجة قرار تقسيم فلسطين رقم (181) الذي أصدرته الجمعية العامة الأممية يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، ونص على أن تدويل القدس أفضل وسيلة لحماية جميع المصالح الدينية بالمدينة المقدسة.
ومنذ نكبة 1948 توالت القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بشأن الانتهاكات الإسرائيلية وإجراءاتها الرامية لتهويد المدينة المقدسة لجعلها عاصمتها الموحدة، لكن هذه القرارات ظلت في معظمها حبرا على ورق بسبب عدم التزام إسرائيل بها، ولأن هذه القرارات نفسها غير ردعية.
وعندما أوصت الجمعية العمومية عام 1947 بتقسيم فلسطين، كانت القدس وضواحيها (بما فيها مدينة بيت لحم إلى الجنوب) ستخضع لإدارة دولية بوصفها كيان مستقل، إلاّ أن إسرائيل بعد حرب عام 1948، اجتاحت هذا الكيان المستقل واحتلت 85 % من أراضيه.
في حزيران/يونيو 1967، احتلت إسرائيل ما تبقى من القدس أو “القدس الشرقية”، بما فيها بلدة القدس القديمة. بعد عدة أسابيع فقط وسعت إسرائيل الحدود البلدية للمدينة وبخطوة أحادية الجانب، فازدادت بذلك مساحتها عشرات الأضعاف.
رسمت إسرائيل الحدود الجديدة للمدينة لتضم الأراضي غير المأهولة وغير المطورة، بينما استثنت المناطق المأهولة بالسكان. وفي العام 1970 صادرت إسرائيل الأراضي غير المأهولة لبناء مستوطنات إسرائيلية.
بعد توسيع حدود مدينة القدس، شرعت إسرائيل في تنفيذ قوانينها وفرض إدارتها وهيمنتها داخل المناطق المصادرة بدعوى إتباعها الى بلدية القدس (مناطق تبلغ مساحتها حوالي 72 كيلو متراً مربعاً تشكل 1,3 بالمائة من مساحة الضفة الغربية) وذلك محاولة منها لضم القدس الشرقية وبعض مناطق من الضفة الغربية، ولخلق واقع جغرافي جديد في المنطقة. يشكل هذا الضم خرقاً لقانون حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة، إذ أعلن مجلس الأمن الدولي أن “لا قيمة قانونية” له.
ويؤكد القرار رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 1967 على “عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب” ويدعو إلى “انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراض احتلتها في النزاع الأخير”.
وينص القرار رقم 252 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 1968 على أن مجلس الأمن “يعتبر كافة الإجراءات والأعمال التي تقوم بها إسرائيل الرامية إلى تغيير الوضع القانوني للقدس الشريف بدون سند قانوني ولا يمكنها تغيير ذلك الوضع”.
وينص القرار رقم 476 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 1980 على أن مجلس الأمن يعتبر “كافة الإجراءات والأعمال التي تقوم بها إسرائيل القوة المحتلة، الرامية إلى تغيير معالم مدينة القدس الشريف بدون سند قانوني … وتشكل عائقاً خطيراً أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط”.
ومن أبرز القرارات الحديثة القرار الصادر في 18 ديسمبر/كانون الأول 2017، حيث تم التصويت على مشروع قرار مصري في مجلس الأمن الدولي يرفض إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، نال موافقة جميع الدول الأعضاء في المجلس، باستثناء الولايات المتحدة التي استخدمت الفيتو ضده، فيما تعهد الفلسطينيون بالتوجه نحو الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة قرار ترمب.